ياكثر ماقلت أبسوي وأبسوي .. ولافيه شيٍ من اللي قلت سويته

راحت حياتي وأنا أطري أنا أنوي .. واللي بغيته نسيته يوم خليته

أنا أحسبني صغير وبالعمر توي .. لاشك شيبت وأحلى العمر عديته

ياليتني ياحمد يومه صفا جوي .. هاك الزمن ياشريف البيت خاويته

– حمود البغيلي

في الفترة الماضية وقعت على هذه الأبيات العظيمة للشاعر الكويتي حمود البغيلي وكانت في مقطع للمدون السعودي الملهم أ. عبدالله النصيان، وسردها بأسلوبه العفوي البسيط وربطها بحاله ووصفها بأنها “تلامس مشاعرنا نحن كبار السن”، كانت الأبيات آسرة، وكان إلقاء وعرض الأستاذ عبدالله لها أكثر روعة.

وقع الأبيات علي كان مختلفًا، لمصادفتها مرحلة مهمة من حياتي، كنت بين طرفين متنازعين في نفسي، طرف يميل للراحة والبحث عن الملاذ الآمن والظل الوفير وطرف يدعو للنزول لمعترك الحياة وإن كان يتطلب دفع الثمن وحصول الألم والمعاناة، وكان هناك سؤال مُلِح هل الامر يستحق كل هذه المعاناة؟

هذه الأبيات وضعت النقاط على الحروف وغلب الطرف الثاني، الطرف الأول، وهذه المقالة هي جواب الطرف الثاني ومبرراته على السؤال المُلح.

أولاً، مصطلح “أحلى العمر” أكد حقيقة مثبتة ولكن كثير من الشباب يغفلون عنها وهي أن مخزون الطاقة والحيوية والشباب ليس عميقًا كما يظنون، وليس صحيحًا أن في العمر متسع، وأنها مجرد أيامٍ وليالٍ، والشمس المشرقة الساطعة حتمًا ستميل يومًا إلى الغروب، وهذه سنة الله في الخلق. (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54).

التسليم بهذه الحقيقة سيغير بوصلة الحياة وأولويات اتخاذ القرارات، وبدل أن يقدم الإنسان الراحة التي سيعلم أنها زائلة ويسلك طريق العمل والخروج من منطقة الراحة، ويعلم أنه لا يبقى إلا الأثر والعمل. وإذا كان يداعب خيالك الآن أحلام وآمال ومشاريع وأهداف، انهض وأعمل عليها دون خوف من العواقب ووهم فقدان الراحة والاطمئنان. ولا تختر الطريق السهل اليسير الذي ليس فيه معنى وأثر مقابل الطريق الصعب الوعر الذي سوف يصنع لك المجد وخلود الأثر. وليس دائمًا يكون القرار الصعب يخص العمل والوظيفة والدراسة، بل أن هناك العديد من الأشخاص الذين يؤجلون قرارات الاستمتاع بالحياة بحجة ضغط العمل والالتزامات وعدم توفر الإمكانيات، مع أنه يوجد الكثير من الأشياء من حوله لا تحتاج كل هذا، وبالإمكان إيجاد فرصة ولحظة للاستمتاع وخوض التجارب، ولكن الإنسان يكره تغيير الدائرة التي اعتاد عليها واطمأن بها.

ثانيًا، سيأتي عليك يوم تنظر فيه إلى الوراء لتنظر ما قدمت، فماذا سوف تجد خلفك. ولو نظرت الآن للوراء ماذا ستتذكر؟ من المؤكد أنك لن يخطر ببالك سوى الأحداث المفصلية والانجاز والعمل والتجارب الجديدة واللحظات الاجتماعية، أما أيام الراحة والكسل فهي كذرات الرمال التي تذروها الرياح.

لا تقدم متعة الحاضر مقابل مجد المستقبل، ولا تشتري راحة مؤقتة مقابل أثر خالد. وإن لم تستطع تقديم شئ مفيد يذكر، فالأهم أن لا تترك أثرًا سئ يكون وبالًا عليك يومًا. وتؤذي به البلاد والعباد. إن لم تستطع الإعمار فكف عن الإفساد وهذا أقل ما يمكن أن تقدمه.

ثالثًا، التمني والوعود والأحلام لا تكفي، ولا تسمن ولا تغني من جوع، بل ستكون شقاءا على صاحبها، وغالبًا يندم الإنسان في أواخر حياته على الأشياء التي لم يفعلها أكثر من الأشياء التي فعلها، ما فعلت من أخطاء يمكن أن تجد لها تبرير أما التي أجلتها لن تجد سوى خيال مجدٍ فرطت في السعي إليه ولم تبلغه، فأصبح حسرة وندامة.

اللهم استعملنا في طاعتك ووفقنا للعلم النافع والعمل الصالح، اللهم اجعلنا ممن طال عمرهم وحَسُن عملهم.

قد يعجبك أيضاً:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *